بسم الله الرحمن الرحيم
أول ما أبدأ به الكلام، مقال ينسدل بعد السلام، عن موضوع غفل عنه الأنام، ألا وهو (صلة الأرحام).
فصلة الرحم هذه العبادة الجليلة؛ اتصف بها خيار الخلق من الأنبياء والرسل -عليهم السلام- وكذلك السلف الصالح بمستويات مختلفة: فها هو إبراهيم عليه السلام يقول: (يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِعَصِيًّا) وها هو المسيح عيسى - عليه السلام- يقول: (وَبَرًّا بِوَالِدَتِي) وقوله تعالى عن يحيى عليه السلام: (وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا).
فصلة الرحم واجبة على كل مسلم، وهي صلة مباشرة قوية بالله – عز وجل – فمن وصلها وصله الله، ومن قطعها قطعه الله، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (الرحم متعلقة بالعرش تقول: من وصلني وصله الله ومن قطعني قطعه الله) متفق عليه.
فكيف يقطعه الله؟
بعدم استجابة دعوته، ولا يقبل صدقته، ولا يعينه إذا مرض، ولا يشفيه، ولا يصلح ولده، ولا ... ومن يقطع هذه العبادة فهو ممن لعنهم الله ومن المفسدين في الأرض، والآيات في ذلك كثيرة منها قوله تعالى: (هَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ)
وعكس هذا كله يكمن في من يصل رحمه؛ فهي أمارةٌ على كَرَم النّفس وسبب زيادة في البركة والرزق والعمر، وهو من الإيمان وصلة بين العبد وربه وهو سبب في دخول الجنة.
فماذا لو أساء إلينا الأقارب والأرحام؟
فلو أساء إلينا الأرحام، من قطيعة، وسوء، وأذى، فنعاملهم بأخلاقنا ولا نعاملهم بأخلاقهم، من كرم وإحسان ونقابل السيئة بالحسنة، كما ورد أن رجلاً شكى إلى النبي عليه الصلاة والسلام من إساءة أقاربه له وهو محسن إليهم فقال:( لئن كنت كما قلت فكأنما تسفهم الملَّ - أي تنثر عليهم الرماد الحار -، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك).
فهل لنا أن نعامل من أساء إلينا بالحسنى والكرم؟ ليكون معنا الله ظهيرا عليهم وننهج نهج النبي صلى الله عليه وسلم؟
وكما فعل المقنع الكندي مع أقاربه حين قال:
يعاتبني في الدَين قومـي وإنمـا ........ ديوني في أشياء تكسبهـم حمـداً
وإن الذي بيني وبين بنـي أبـي ....... وبين بني عمـي لمختلـف جـدا
فإن أكلوا لحمي وفرت لحومهـم ...... وإن هدموا مجدي بنيت لهم مجدا
وإن ضيعوا غيبي حفظت غيوبهم ....... وإن هووا غيي هويت لهم رشدا
ولا أحــمل الحــقـد القديم عليهم ....... وليس كريم القوم من يحمل الحقد
فإن كنت على شيء من ذلك الخلاف أو تلك الخصومة مع أحد من أقاربك أو أرحامك، فحاسب نفسك وسارع في الإصلاح والإحسان، وترك الخصام...
لقد أمر الله بصلة الأرحام والبر والإحسان إليهم،قال الحق سبحانه وتعالى في الحديث القدسي:
(أنا الرحمن، خلقت الرحم، وشققت له اسماً من اسمي، فمن وصله وصلته، ومن قطعه قطعته )
صلة الرحم تعني الإحسان إلى الأقربين وإيصال ما أمكن من الخير إليهم ودفع ما أمكن من الشر عنهم.
صلة الرحم سبب لزيادة العمر وبسط الرزق: فعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه) رواه البخاري ومسلم.
والمراد بزيادة العمر هنا إما: البركة في عمر الإنسان الواصل أو يراد أن الزيادة على حقيقتها فالذي يصل رحمه يزيد الله في عمره.
وحكم صلة الرحم لا خلاف فيه أنها واجبة, وقطيعتها معصية ويلعنه الله تعالى والدليل لقوله تعالى:
(هَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ).
واللعنة بمعناها الشامل المتضمن الطرد من رحمة الله تعالى وكلنا محتاجين رحمة من الله عز وجل وقد نقل الاتفاق على وجوب صلة الرحم وتحريم القطيعة القرطبي والقاضي عياض وغيرهما.
والذين يقطعون الرحم هم من الفاسقين الخاسرين لقوله تعالى : (وما يضل به إلا الفاسقين * الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون).
هل تريد ...؟
هل تريد دخول الجنة ؟ هل تريد طول في عمرك ؟ هل تريد بسط في رزقك؟ هل تريد دفع ميتة السوء ؟ لحديث لأبي يعلى من حديث أنس يرفعه (أن الصدقة وصلة الرحم يزيد الله بهما العمر ويدفع بهما ميتة السوء )
هل تريد محبة الله ومحبة الأهل؟ هل تريد ثمرة المال وعمارة الديار؟
فقط كل هذا وأكثر بعمل واحد هو (صلة أرحامك) الذي رفع الله شأنها لحديث حبيبي صلى الله عليه وسلم:(الرحم معلقة بالعرش يقول من وصلني وصلة الله ومن قطعني قطعه الله ).
هل تريد أن تكون مهدد بعدم دخول الجنة؟ لقول المصطفى - عليه الصلاة والسلام - (لا يدخل الجنة قاطع )
هل تريد عدم نزول الرحمة على قوم أنت فيهم؟ هل تريد أن تكون سبب عدم قبول عملك؟ لقول الحبيب عليه الصلاة والسلام: (أن أعمال بني ادم تعرض كل خميس ليلة الجمعة فلا يقبل عمل قاطع رحم ).
وكثير من الناس في وقتنا الحالي لا يهتم بصلة أرحامه ولا يقيم لهم شأنا في حياته والعياذ بالله للأسف !!
نرى أسمائهم في شجرة العائلة في ازدياد لكن لا نعرفهم !! لعدم التواصل بينهم .
اسأله تعالى أن يجعلنا من الواصلين لأرحامنا على الدوام ابتغاء مرضاته.
لن نستطيع وصفها إلا أنها أحب الأعمال إلى الله – سبحانه وتعالى –
لأنه مهما تكلمنا عن حقها لن نفيها حقها ..
لكن
سنقف أمام حديث أصر قلمي على ذكره وهو قول رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: (لا يدخل الجنة قاطع رحم ) يكفي أنها سبب دخولك الجنة في دخولك الجنة .. نعم إنها " صلة الرحم " التي قصر فيها البعض والبعض لم يعد يعمل بها فأصبحنا نقول فلان واصل _ يصل رحمه – وفلان قاطع !!
فهل تحب أن يطلق عليك قول فلان قاطع !!؟
فلا تترك هذا الأمر العظيم خصوصاً الكبار في السن فإنهم يفرحون بزيارتك...
اللهم اجعلنا من البارين بوالدينا، الواصلين لأرحامنا...