معنى : أن الله جـمـيـــــــــــل يـحـب الـجـمــــــــال
بسم الله الرحمن الرحيم
***
السؤال: ما معنى حديث إن الله جميل يحبّ الجمال
ما هو المقصود بالجمال خصوصا وأن بعض الناس
يستدل بهذا الحديث على جواز النظر إلى النساء الجميلات
وجواز الاستمتاع بكل شيء جميل
هل من توضيح ؟ .
***
الحديث المذكور في السؤال قد أخرجه مسلم في صحيحه رقم 131
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ
(لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ قَالَ رَجُلٌ إِنَّ الرَّجُلَ
يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً
قَالَ إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ ).
قال ابن القيم رحمه الله شارحا ومبيّنا :
وقوله في الحديث إن الله جميل يحب الجمال يتناول جمال الثياب المسؤول عنه
في نفس الحديث ويدخل فيه بطريق العموم الجمال من كل شيء
وفي صحيح مسلم برقم 1686 :
( إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا )
وفي سنن الترمذي ( إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده )
رواه الترمذي برقم 2963 وقال حسن صحيح
وعن أبي الأحوص الجشمي قال
( رآني النبي صلى الله عليه وسلم وعليَّ أطمار
فقال هل لك من مال قلت نعم
قال من أي المال
قلت من كل ما آتى الله من الإبل والشاه
قال فلتر نعمته وكرامته عليك )
رواه أحمد برقم 15323 والترمذي 1929 والنسائي 5128 .
فهو سبحانه يحب ظهور أثر نعمته على عبده فإنه من الجمال الذي يحبه
وذلك من شكره على نعمه وهو جمال باطن فيحب أن يرى على عبده
الجمال الظاهر بالنعمة والجمال الباطن بالشكر عليها
ولمحبته سبحانه للجمال أنزل على عباده لباسا وزينة
تجمل ظواهرهم وتقوى تجمل بواطنهم
فقال : ( يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم
وريشا ولباس التقوى ذلك خير ) الأعراف 26
وقال في أهل الجنة :
[ ولقَّاهم نضرة وسرورا (11) وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا (12) ] الإنسان
فجمل وجوههم بالنضرة وبواطنهم بالسرور وأبدانهم بالحرير
وهو سبحانه كما يحب الجمال في الأقوال والأفعال واللباس والهيأة
يبغض القبيح من الأقوال والأفعال والثياب والهيأة فيبغض القبيح وأهله
ويحب الجمال وأهله ولكن ضلّ في هذا الموضوع فريقان :
فريق قالوا كل ما خلقه جميل فهو يحبّ كل ما خلقه ونحن نحب جميع ما خلقه
فلا نبغض منه شيئا ، قالوا : ومن رأى الكائنات منه رآها كلها جميلة
وهؤلاء قد عدمت الغيرة لله من قلوبهم والبغض في الله والمعاداة فيه
وإنكار المنكر والجهاد في سبيله وإقامة حدوده ويرى جمال الصور
من الذكور والإناث من الجمال الذي يحبه الله فيتعبدون بفسقهم
وربما غلا بعضهم حتى يزعم أن معبوده يظهر في تلك الصورة ويحل فيها .
وقابلهم الفريق الثاني فقالوا قد ذم الله سبحانه جمال الصور وتمام القامة والخلقة
فقال عن المنافقين : ( وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم ) المنافقون 4
وقال : ( وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أحسن أثاثا ورئيا ) مريم 74
أي أموالا ومناظر وفي صحيح مسلم عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال :
( إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم وإنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم )
صحيح مسلم رقم 4651
وفي الحديث : ( البذاذة من الإيمان ) رواه ابن ماجه 4108
وأبو داود 3630 وصححه الألباني رحمه الله
وفصل النزاع أن يقال الجمال في الصورة واللباس والهيأة ثلاثة أنواع
منه ما يحمد ومنه ما يذم ومنه مالا يتعلق به مدح ولا ذم
فالمحمود منه ما كان لله وأعان على طاعة الله وتنفيذ أوامره والاستجابة له
كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتجمل للوفود وهو نظير لباس آلة الحرب
للقتال ولباس الحرير في الحرب والخيلاء فيه فإن ذلك محمود
إذا تضمن إعلاء كلمة الله ونصر دينه وغيظ عدوه
والمذموم منه ما كان للدنيا والرياسة والفخر والخيلاء والتوسل إلى الشهوات
وأن يكون هو غاية العبد وأقصى مطلبه فإن كثيرا من النفوس
ليس لها همة في سوى ذلك
وأما مالا يحمد ولا يذم هو ما خلا عن هذين القصدين وتجرد عن الوصفين.
والمقصود أن هذا الحديث الشريف مشتمل على أصلين عظيمين
فأوله معرفة وآخره سلوك فيُعرف الله سبحانه بالجمال الذي لا يماثله فيه شيء
ويعبد بالجمال الذي يحبه من الأقوال والأعمال والأخلاق فيحب من عبده
أن يجمل لسانه بالصدق وقلبه بالإخلاص والمحبة والإنابة والتوكل
وجوارحه بالطاعة وبدنه بإظهار نعمه عليه في لباسه وتطهيره له من الأنجاس
والأحداث والأوساخ والشعور المكروهة والختان وتقليم الأظفار
فيعرفه بصفات بالجمال ويتعرف إليه بالأفعال والأقوال والأخلاق الجميلة
فيعرفه بالجمال الذي هو وصفه ويعبده بالجمال الذي هو شرعه ودينه
فجمع الحديث قاعدتي المعرفة والسلوك .
المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب
للشيخ محمد صالح المنجد
والسلام عليكم